*

الأحد

علاقة المالك والمقاول.. (2) المناورات التسويقية فى المقاولات

أذكر أننى منذ عدة شهور كنت أشترى لابنى لعبة أطفال ، وبما أننى "ماهر" و"ذكى" و"لا يمكن خداعى بسهولة" فقد أخذت جولة بحث ومقارنة لما فوق رفوف اللعب حتى وجدتنى أحصر اختيارى بين لعبتين "رأيتهما" متساويتين تقريبا فى الجودة وكلتاهما أعجبتا الولد، كان ثمن الواحدة 37 ريال وثمن الثانية 45 ريال على ما أذكر ، وبمقارنة السعرين نلاحظ أن الفارق بين الاثنتين يفوق 20% بقليل لذلك كان القرار بالطبع هو شراء اللعبة الأرخص سعراً (ألم نتعلم من الاعلان الشهير: ليش تدفع كثير إذا كان ممكن تدفع أقل؟). وما أن عدنا الى البيت وفتحنا العلبة وأخرجنا اللعبة حتى كانت المفاجأة: اللعبة تحتاج  2 بطارية 9 فولت ثمن الواحدة 11,5 ريال ، فوجدت أن التكلفة الفعلية للعبة وصلت إلى 60 ريال ، أى أن التكلفة زادت 62% عن تقديرى. (وطبعا سنحتاج لتغيير البطاريات كلما استهلكت وفقدت طاقتها، لذلك فنزيف النقود سيظل مستمرا طالما ظلت اللعبة تعمل). والحسرة الأكبر هنا هى أن اللعبة التى لم اشترها لأننى كنت أراها "الأغلى"  كانت تعمل ببطارية يمكن إعادة شحنها، بما يعنى أن فارق ال20% الذى "وفرته" كان هو كل ما كان يفترض أن أدفعه وينتهى الأمر. لكنى كنت مخدوعا بال 37 ريال الأولى.

أذكر هذا لأنه يحدث فى كل الأوقات فى كافة المعاملات التجارية ، وتحديدا هنا بين المقاولين وعملائهم، والموضوع فيه الكثير من الاختلاف ، فالبعض يراه أمرا عاديا، أن تذكر سعراً تخفى خلفه مصاريف أخرى تطلبها فى وقتها ، المهم أن تجذب العميل إلى المصيدة ("السوق لا يرحم" هذا ما يقوله مؤيدو هذه الفكرة)، قد يكون هذا مقبولا فى لعبة أطفال زادت تكلفتها 62% فجأة ، لأن ال 62% هذه هى مجرد 23 ريال فالأمر مقبول وبسيط. لكن حين تسمع سعر 500 ريال للمتر المسطح (مثلا) فتسعد به ، بينما الساحر (أعنى المقاول) يخبىء فى جيبه 100 أو 150 ريال زيادة ليستخدمها عند اللزوم فى مشروع مبنى تتجاوز قيمته مليون ريال ، فنحن هنا أمام فروق بمئات الآلاف وليس ألف أو عشرة. هذا أمر صادم وغير مقبول بل وأكاد أقول أنه يتجاوز حدود المقبول من الأخلاق أحيانا. والطامة الكبرى أن هذه الأرقام والفروق تتصاعد وتتصاعد كلما زاد حجم المشروع.
وأنا هنا أتذكر الساحر ، لأن كلنا بالطبع يذكر منظر الساحر (أو الحاوى) فى السيرك، والذى تفاجأ به يخرج من قبعته أرانب كثيرة، وتعجب كيف أمكن لهذه القبعة الصغيرة احتواء كل هذا الكم من الأرانب. بالضبط هناك قائمة طويلة لا تنتهى من ألاعيب الحواة يقوم بها بعض المقاولين ، ملخصها هو إغفال بنود لا غنى عنها بحيث يتم تحميلها على المالك بدون أن يشعر لكنها فى النهاية مكون لا غنى عنه من مكونات التكلفة (بالضبط كما تحملت أنا ثمن البطاريات حتى نتمكن من تشغيل لعبة ابنى).

اقرأ أيضاً:
تعريف بالمقاول ودوره والتزاماته
هل يمكن الاستغناء عن المقاول

من أمثلة هذه البنود (على سبيل المثال لا الحصر):
1.     الحفر والدفان (الردم).
2.  صبة الخرسانة لأرضية الدور الأرضى (Screed)، والتى لا غنى عنها لمنع أى هبوط محتمل قد يحدث لاحقا فى الأرضيات الرخام أو السيراميك.
3.     تشطيب السطح وعزله ضد الحرارة ومياه الأمطار.
والأمر هنا لا يقتصر فقط على مشاكل تحدث فى عقد المقاولة لتنفيذ البناء الفعلى للعقار، لكنه يمتد رجوعا إلى ما قبل العقد ، بل حتى إلى ما قبل التصميم المعمارى، فأنت تجد الكثير من المقبلين على البناء يجولون متسائلين عن تكلفة البناء حتى قبل شراء أرض للبناء عليها، وينبرى لهم "أهل الخير" من كل جانب يفتون ويشيرون بهذا السعر أو ذاك، ويبنى المواطن حساباته على ما سمعه من هذا ومن ذاك، ويتأكد أن ما يملكه من المال كافٍ لإتمام مشروعه ، ثم يفاجأ بأن التفاصيل المخفاة ظهرت ، ويجد نفسه أمام متطلبات جديدة ومضاعفات للتمويل لم تكن فى حسبانه، فماذا يفعل عندها؟؟؟


بالطبع وقتها سيقال له أسباب كثيرة "غير الأسباب الحقيقية":
+ فمثلا يقال له: "التعديلات التى أحدثتها هى السبب" ..... يعنى انت اللى جبت ده كله لنفسك يا صاحب العقار وأوقعت نفسك فى المشكلة يا صاحب الفيلا باحداثك تعديلات سواء على المخطط أو أثناء البناء (وهل يوجد مشروع فى الدنيا بدون تعديلات!).
+ أيضا قد يتحجج البعض (بحسن أو بسوء نية): "هذا هو السوق وليتك كنت سألت أولا! كُنَّا أوضحناها لك، فسعر هذه الجزئية – طبقا لعرف السوق - لا تذكر فى العادة ضمن سعر المتر"...... مثلاً، هل نتصور شخصا لا يحتاج لصب خرسانة لأرضية الدور الأرضى!!!!!! لكن رغم ذلك يغفلها الكثيرون - بحسن أو بسوء نية - من تكلفة المتر العظم مثلا حتى يتحملها صاحب العقار أثناء التشطيب.
+ أو أن يقال: "ياااااااااه!! هذه تفصيلة لم تكن واضحة أثناء التسعير والتعاقد، وهى مكلفة كما ترى ولا يمكن أن يتحملها المقاول المسكين"...............
وهكذا ......... هناك دائما مهارب ينفذ منها "أهل الخير" .


(اقرأ أيضاً: مدير المشروع)



لكن دعنا نستدرك هنا أن هذا يحدث فى حالة العقود بالسعر المقطوع ، والتى يدخل ضمنها:
1.     الاتفاق على "سعر مقطوع" اجمالى للمشروع ككل: كأن نقول إن بناء هذه العمارة تتكلف مليون ريال (مثلاً). (اقرأ أيضا: خبرات وغلطات فى حساب الكميات ...... (1) أهمية حساب الكميات)
2.     التسعير بالمتر المسطح من مساحة البناء: يعنى أن أقول أن سعر المتر المسطح  500 ريال (مثلاً)، فلو عندك عمارة مكونة من ثلاثة أدوار مساحة الدور 500 متر فيكون اجماليها 1500 متر ، . فالنتيجة أن الاجمالى هو أيضا "سعر مقطوع" يساوى 500 × 1500 أى 750000 ريال.
(اقرأ سلسلة عقود المقاولات).
هذه إحدى المساوىء الخطيرة لما يجرى فى الأسواق الخليجية من تسعير وتعاقد على السعر المقطوع (التى من ضمنها التسعير بالمتر المسطح) ، وهى إحدى الأسباب الواضحة لانتشار سعر تسويقى منخفض (كما هو مُتداوَل) لأن الساحر مازال لديه "أرانب" فى قبعته!! وبالتأكيد سيخرجها عند اللزوم......
أما كيف نتلافى هذه المشكلة؟ فلهذا مقالات أخرى.
 VGJ85CU8SECJ
اقرأ أيضاً:
علاقة المالك والمقاول .... (1) الخروج من دائرة الشك
سلسلة: عقود المقاولات
مقالات تعريفية في المسألة الانشائية... مدير المشروع




هناك مكان للتعليقات والتساؤلات أسفل هذا المقال (وأسفل كل مقال)
تتم مراجعة التعليق قبل نشره ، من فضلك ارجع لنفس المكان لاحقاً لمشاهدة تعليقك وقراءة الرد.


بناء فيلا  بناء عمارة بناء منزل تصميم معماري مهندس معماري تصميم فيلا خرائط منازل تصاميم فلل تصاميم منازل خرائط منازل واجهات فلل تصميم فلل مخطط فلل التصميم المعماري تكاليف التصميم المعماري تصميم انشائي المخططات المعمارية مهندس انشائي مهندس مدني مقاول تسليم مفتاح مقاول عظم مقاول تشطيب حساب تكلفة البناء تكاليف البناء حساب حديد التسليح حساب كميات بدروم قبو سرداب
    House building plan construction design architecture civil engineer cost project quantity basement

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا تتفاجأ لو تعليقك تأخر ظهوره، لأن التعليقات يتم مراجعتها قبل النشر لزوم حماية اصحابها من تسرب معلوماتهم الشخصية بالخطأ.
من فضلك ارجع لنفس المكان لاحقاً لمشاهدة تعليقك وقراءة الرد. أرحب بالتعليقات البناءة والتساؤلات التى تثير مناقشات مفيدة للجميع وأرد عليها فور علمى بها.